هل أصلح للعمل مديراً للمشاريع؟

كثيرا ما يبادرني سؤال من أحد الزملاء أو الأصدقاء الذين يحاولون الدخول في مهنة إدارة المشاريع:

أسامة، هل تراني أصلح أن أكون مدير مشاريع؟

في البداية كان الجواب يستغرق مني بعض التفكير الذي يأخذ منحيين: الأول هو استحضار أهم المهارات المطلوبة لمدير المشاريع والتي تمتلئ بها الكتب والمقالات، والتي ربما تجعل منه شخصا خارقا يفهم في كل شيء ويمارس كل أنواع الإدارة، أما المنحى الثاني فهو تحليل ما أعلمه عن السائل من صفات وسلوكيات لمقارنتها بتلك الأولى والوصول إلى جواب مناسب أو نصيحة عملية يمكن الاستفادة منها لتطوير الذات.

اسمحوا لي أن نفعل ذلك معاً الآن …

ينص كتاب (الدليل المعرفي لإدارة المشاريع – PMBOK GUIDE) في طبعته الخامسة من معهد إدارة المشاريع (PMI) والمتخصص في منح الشهادة العالمية (محترف إدارة المشاريع PMP) أن على مدير المشاريع أن يمتلك الكفاءات التالية:

    1. المعرفة الكافية بعلم إدارة المشاريع
    2. القدرة على تطبيق تلك المعرفة بكفاءة
    3. الصفات الشخصية والسلوكيات المناسبة لتنفيذ المشروع أو أنشطته، وبما يشمل قيادة فريق العمل لتحقيق أهداف المشروع والموازنة بين المحددات والقيود الموجودة حوله.

بالعودة للسؤال، النقطتان الأولى والثانية معلومتان ضمنا، فمن المفروغ منه أنك بحاجة لدورة في إدارة المشاريع وقراءة كتاب أو اثنين، والثانية تأتي بالتمرس وهي ذاتها تنطبق على أي منصب إداري، أما النقطة الثالثة، فهي محور السؤال .. الصفات والسلوكيات الشخصية.

مهارة التعامل مع الآخرين

يستفيض كتاب (الدليل المعرفي) في ذكر ما يعتبره أهم نوع من تلك الصفات والسلوكيات الشخصية، وهي المهارة في التعامل مع الآخرين (interpersonal skills)، وأهمها امتلاك القدرة على ما يلي:

  • القيادة (Leadership)
  • بناء الفرق (Team building)
  • التحفيز (Motivation)
  • التواصل (Communication)
  • التأثير (Influencing)
  • اتخاذ القرار (Decision Making)
  • الوعي السياسي والثقافي (Political and cultural awareness)
  • التفاوض (Negotiation)
  • بناء الثقة (Trust building)
  • إدارة النزاع (Conflict management)
  • التوجيه (Coaching)

لماذا (التعامل مع الآخرين) مهارة مهمة في إدارة المشاريع؟ لأن مديري المشاريع ينجزون أعمال مشاريعهم من خلال فرق عمل المشاريع والأشخاص الآخرين من أصحاب العلاقة بالمشروع، وكل من خبر إدارة المشاريع فإنه يعلم أن معظم وقته سيكون بين هؤلاء وأولئك.

  1. هل كل هذه الصفات مهمة بنفس الدرجة؟ لا أعتقد ذلك من خبرتي المتواضعة، إذ يعتمد ذلك على نوع المشروع، وطبيعة الفريق، وطبيعة المؤسسة المنفذة للمشروع، ودرجة النضج في ممارسة إدارة المشاريع داخل المؤسسة، وصلاحيات مدير المشاريع في المؤسسة ومرتبته في الهيكل التنظيمي فيها، الى آخر تلك الاعتبارات …

    ولذلك فمن المهم قبل الإجابة على السؤال تحديد بعض أو جميع تلك العوامل للوصول إلى صفتين أو ثلاث كأهم تلك الصفات في حالة هذا السائل.

الصفات والسلوكيات لدى السائل

  1. لنبدأ الآن في المنحى الثاني من السؤال، وهي مقارنة تلك الصفات المطلوبة بالتي يمتلكها سائل السؤال أصلا، وهنا تبرز قضية أخرى: هل هناك طريق علمية للحكم على صفات الأشخاص وسلوكياتهم دون تجربة ذلك في الواقع؟

    لنقسم الإجابة على هذه القضية إلى شقين: أولا الشق الذي يتعلق بالصفات الشخصية، والثاني الشق الذي يتعلق بالسلوكيات الشخصية. هل هناك فرق بين الصفة والسلوك؟ نعم بالطبع، فحسب تعريف المعاجم، فإن الصفات هي الخصائص أو النوعية لطبيعة شخص ما، وغالبا ما تكون موروثة جينيا، مثل لون العينين، أو الطول، أو شكل الشعر. أما السلوكيات فهي الطريقة التي تتصرف بها الحواس لشخص ما عند تعرضها لموقف ما، مثل الغضب عند مناقشة رأي مخالف، أو عدم اليأس من تكرار المحاولة للنجاح بالرغم من وجود صعوبة كبيرة.

    تكمن أهمية التفريق بين الصفات والسلوكيات أن الأولى لا يمكن تغييرها، بعكس الثانية، فهي قابلة للتعلم، وبالتالي فإن نظريات التطوير الإداري توجه المؤسسات لتغيير سلوك الأفراد وليس صفاتهم.

    هل هذا يعني أن اختبارات تحديد الشخصية خاطئة ولا يوجد هناك صفات شخصية غير فيزيائية؟ الجواب خلاف علمي، والعلماء الذين يرجحون نظرية الخصائص غالبا ما يبحثون عن خمس منها، نذكرها في ما يلي بشكل ملخص:

    1. OCEANالانفتاح: تقيس درجة فضول الشخص ورغبته للاكتشاف، واستعداده لسماع الجديد والغريب
    2. الضّمير (أو الوعي): يتعلّق بالتنظيم والأَمر والتّعليمات والواجب والفرض والأهميّات ودرجة الحذر وضبط النفس.
    3. الاجتماع (أو التّخَالط): يتعلّق بمخالطة المرء لغيره ودرجة اندماجه في المجتمع وما يحيطه، وذلك أيضاً متعلق بدرجة الإصرار النفسية والثقة بالنّفس وفعالية الشخص ونشاطه ومشاعره الإيجابيّة.
    4. التّوافق: يتعلّق بالثقة بالآخرين ودرجة مساعدة المرء لغيره واللَطافَة وحسن المعاملة.
    5. الاضطراب (أو القلق): يتعلّق بكآبَة النفس والغَم والانقباض وانخفاض وهبوط النفسية وقابليّة تعرّض المرء للمشاعر السلبيّة وعدم تقبل الآخرين

      إذن، ماذا عن جواب السؤال؟

  2. هل أصبح الأمر معقداً؟ كل ما نريده هو كيف نجيب السائل على سؤال بسيط! أنا لا أعتقد أن أيا من تلك الصفات الشخصية يمنع صاحبه من الوصول لمنصب مدير المشاريع، لأنها لا تمثل جوابا ثنائيا، منفتح أم منغلق، اجتماعي أم غير اجتماعي، وإنما نقول أن شخصا ما اجتماعي بنسبة أكبر من شخص آخر، أو منغلق بدرجة أعلى من زملائه، وبالتالي قد لا تصلح كوسيلة سريعة للحكم على عدم صلاحية شخص ما لإدارة المشاريع بشكل عام.

    ماذا بقي؟ السلوكيات؟ ولكنها قابلة للتغيير من خلال التعلم والتدريب، فهل نستخدمها للحكم على الأشخاص؟ وكيف سأجيب السؤال بعد كل هذا؟

    في الحقيقة كنت أشرح أشياء من ما ذكر أعلاه، حسب الوقت، ويغدو جوابي أحيانا هكذا:

    ” مما سبق أقول نعم أنت تصلح لإدارة المشاريع لأنك منفتح واجتماعي وتستطيع أن تتوافق مع فريق عمل، وإدارة المشاريع تتطلب قدرة على القيادة والتأثير على الآخرين وتحفيزهم للعمل”

    أو هكذا:

    “شخصيتك مناسبة كما ترى، ولكن عليك التمرن قليلا على آليات اتخاذ القرار وتزيد من الاطلاع على الأنظمة والقوانين لقطاع من القطاعات”

    كما كنت أقول في بداية هذه التدوينة، كان كل ذلك يخطر ببالي فيما مضى قبل أن أجيب على ذلك السؤال … كان ذلك في البدايات. أما مع بعض الخبرة، وكثير من التجارب، وشيء من إدارة المشاريع، سأجيب من يسألني الآن وبلا تردد:

    “هل تستطيع أن تتأكد أن أي مهمة تقوم بها أو تحدث من حولك لا بد لها أن تكتمل تماما؟ “

    إذا كان جوابك نعم، فأهلا وسهلا بك في مهنة إدارة المشاريع!

One thought on “هل أصلح للعمل مديراً للمشاريع؟

Leave a comment