الدراسة في اللحظات الأخيرة

خلال فترة الامتحانات الأخيرة، لاحظت أن ابنتي كانت خائفة بشكل كبير من امتحان مادة الرياضيات، بالرغم من تحصيلها الجيد فيها، ولكن تبين أن هناك مجموعة من الدروس التي لم تفهمها بشكل جيد، وليلة الامتحان أصبحت السيطرة عليها في غاية الصعوبة.

هل كنت ممن يؤجلون الدراسة إلى ليلة الامتحان؟ وماذا ستفعل إذا وجدت الوقت لا يكفي، أو اكتشفت الحاجة لسؤال زميلك في منتصف الليل عن إحدى المسائل؟ هل ستكتفي بدراسة جزء وترك آخر؟ أم تمضي وقتا في محاولة التنبؤ بما يمكن أن يأتي من أسئلة في الامتحان اعتمادا على نمط المدرّس وما شابه؟ أم تلجأ لآخر الدواء، بعض قصاصات تكتب فيها ما يمكن أن يسعفك في الامتحان وتدسها في جيبك؟

pdca-circle-image

 

تعلمنا إدارة المشاريع، أن لا نترك شيئا للحظات الأخيرة، ونحن نفعل ذلك من خلال عملية مستمرة من التخطيط ومراقبة التنفيذ لتعديل الخطة حسب الحاجة، أو ما يعرف بعجلة ديمنغ (Deming Wheel)، وهو ما يجعل مدير المشروع في وضع السيطرة بشكل مستمر على خطة المشروع ويستطيع أن يجيب بشكل واضح حول ماذا بعد، وكيف نفعل هذا، ولماذا لم نقم بذلك، ومن الذي ينبغي له أن ينجز تلك، وهكذا …

على مدير المشروع أن يخطط لتسعة جوانب في المشروع:  التخطيط لتحديد نطاق العمل، التخطيط الزمني، التخطيط المالي، التخطيط لتوكيد جودة العمل، التخطيط لفريق العمل، تخطيط المشتريات، تخطيط إدارة التواصل ونقل المعلومات ورفع التقارير، التخطيط لإدارة أصحاب العلاقة بالمشروع الداخليين والخارجيين، وإدارة مخاطر المشروع. وحيث أن هذه المجموعة من الجوانب كبيرة ومتعددة، فقد تم التركيز أن على مدير المشروع أن يقوم بالتخطيط بأسلوب يضمن التكامل بين هذه الجوانب جميعها، وقد اعتبر الدليل المعرفي (PMBOK) من معهد إدارة المشاريع أن إدارة التكامل هو الجانب العاشر الذي ينبغي على مدير المشروع أن يخطط له أيضا.

كثيرون منا يفضلون أن يبدأوا بالعمل بسرعة ولا يقضون وقتا كافيا في التخطيط، وربما وجدت بعض الشركات ذلك محبذا لإرضاء العملاء أو لزيادة سرعة التحصيل من المشاريع، وعلى طرف النقيض بعض آخر ربما يمضي في التخطيط وقتا أطول من اللازم ظنا منه أنه يجب أن يصل بخطته لدرجة الكمال، وكلا الأمرين خطأ، وقد علّقت في مقال سابق (خياطة منهجية المشاريع) على فكرة اختيار منهجية مناسبة للمشروع بحيث تعطي كل عملية حقها دون زيادة أو نقصان، أو إفراط وتفريط، فعدم التخطيط بشكل كاف هو تخطيط للفشل، والتخطيط الزائد عن الحاجة مثل المسافر الذي يضيع الطائرة لأنه يريد أن يحسب أطوال المسافات بين المدن التي سيمر فيها قبل أن يطير!

الخطة لا توضع إلا لكي تضبط التغيير!

لن أتحدث كثيرا عن فوائد التخطيط وأهميته، ولكني سأشير إلى خطأ شائع وهو اعتبار الخطة كتابا مقدسا أو وصفحة سحرية لا تتغير إلا بموافقة ألف مدير وصاحب قرار. الحقيقة أن الخطة لا توضع إلا لكي تضبط التغيير! أو كما يقول مثل انجليزي أحبه: (Plan is nothing, planning is everything)، ولذلك فإدارة التغيير هي المهارة الحقيقية التي تميز مديري المشاريع عن بعضهم، ولست أدعو هنا إلى نبذ الخطة وعدم الاعتداد بخطوط الأساس فيها، ولكنني أدعو لإيجاد الوصفة المناسبة لتحرير مدير المشروع من التقييد الذي قد يجده يتناقض مع الواقع أحيانا، وعليه أن يغيره لينتج خطة أفضل وخطوط أساس أدق.

في كل مرة تسأل فيها أحد أعضاء الفريق ما الذي سيفعله بعد مهمته الحالية، ويجيبك أنه غير متأكد، أو تُطْبِق عليك بعض المخاطر فجأة وتجبرك على تغيير مسار المشروع، أو تصل لنهاية المشروع فتعجز عن تسليمه للعميل لأنه غير مقتنع بجودته، أو تنهي المشروع بكل تفاصيله ثم تكتشف أنه لا يحقق منفعة حقيقية للمؤسسة التي أطلقته، فاعلم أنك لم تخطط بشكل جيد، بل حاولت أن تنجح من خلال الدراسة ليلة الامتحان، ولعلك تنجح أحيانا، إلا أنك ستكون محظوظا فقط، لا مديرا للمشاريع.

4 thoughts on “الدراسة في اللحظات الأخيرة

Leave a comment