أطباء الأسنان ومدراء المشاريع

خلال الشهر الماضي كنت ضيفا على أكثر من طبيب من أطباء الأسنان، بعضهم في الرياض وبعضهم في عمان، وواجهت كثيرا مما يواجهه غيري عند علاج أسنانهم، وهنا لا أقصد الوجع أو الخوف من آلات الأسنان، وإنما ذلك التشخيص الذي قلما يتماثل مع تشخيص طبيب أسنان سابق، وأنا لم أواجه في حياتي كلها إلا حالات قليلة مدح فيها طبيب أسنان عمل طبيب قبله! هل هذه ظاهرة عامة أم خاصة في تجربتي الشخصية؟ وهل لديكم مثل هذه التجربة مع أطباء الأسنان على وجه الخصوص؟ وهل هذا ينطبق على جميع الأطباء وأهل الحرف والفنون والمعارف المتخصصة؟

أعتقد أن السبب في مثل هذه الظاهرة هي الاعتماد الكبير على الفردية في اتخاذ القرارات، فأكثر ما تجد ذلك في المهن الفردية التي تبرز فيها مهارة الفرد ويقل ذلك كثيرا في المهن الجماعية التي ينجز فيها فريق العمل وليس الفرد فقط، وسواء كان الفرد طبيبا أو ميكانيكيا أو مغنيا أو حلاقا للشعر، فعندما يكون هو وحده صاحب القرار والتنفيذ، فإنه سيشعر أنه المصيب وغيره المخطئ في اجتهاده، ويحتاج الأمر إلى كثير من التجرد والتواضع لتكون خلاف ذلك.

هل الأمر مختلف لدى مدراء المشاريع؟

في إدارة المشاريع يعد مدير المشروع مسؤولا عن نجاح المشروع بمراحله المتعددة، فهو الشخص الذي يقود فريق العمل لتحقيق أهداف المشروع، وهو مسؤول عن تحقيق متطلبات العمل، ومتطلبات الفريق ككل، ومتطلبات الأفراد أيضا، ويصبح حلقة الوصل بين استراتيجية المؤسسة وفريق العمل، ولذلك فإن وظيفته استراتيجية ومهمة للمؤسسات، ويتم اختيار بعناية ودقة، وقد تناولت في مقال سابق بعض الصفات التي تميزه مدير المشروع عن غيره (هل أصلح للعمل مديراً للمشاريع؟)

بالرغم من ذلك، فإن هناك مفهوما أساسيا في إدارة المشاريع قلما يتم تداوله، وهو أن مدير المشروع لا يجب أن يديره بشكل منفرد، إذ يجب عليه أن يشكل فريقا خاصا ضمن فريق العمل يسمى فريق إدارة المشروع (Project Management Team). ويعرف الدليل المعرفي لإدارة المشاريع (PMBOK) فريق إدارة المشروع بأنهم أولئك الأعضاء في فريق عمل المشروع الذين يقومون بأعمال إدارة المشروع بشكل مباشر، وربما يشمل ذلك كافة أعضاء فريق العمل في المشاريع في بعض المشاريع الصغيرة.

ما هي الأعمال المطلوبة من فريق إدارة المشروع؟ اختيار منهجية إدارة المشروع، التخطيط الزمني، التخطيط المالي، التقارير، التحكم، التواصل، إدارة المخاطر، والدعم في الأعمال الإشرافية على فريق العمل. هل تلاحظون بأن هذه الأنشطة هي في صلب إدارة المشروع؟ وبالتالي هناك أهمية كبيرة لهذا الدور الذي يلعبه فريق إدارة المشروع وهو ليس هامشيا مطلقا.

في إحدى تجاربي الشخصية، كنت أدير مشروعا لبناء نظام إلكتروني إداري لإحدى المؤسسات، وكان فريق العمل يتألف من مهندسي برمجيات، ومحللي نظم، وضابطي جودة، وفنيين آخرين، وكان فريق إدارة المشروع يتكون من شخصين بالإضافة لي هما قائد الفريق التقني (Technical Team Leader) والمحلل الرئيس للنظام (Senior Business Analyst)، وكنا نجلس ساعات طوال نضع الخطط ونراجع المخاطر ونقيم الأداء ونعيد النظر في البدائل، والنتائج كانت نجاحا جماعيا بصورة جميلة.

هل يمكن أن يكون فريق إدارة المشروع منفصلا عن فريق العمل من ناحية تنظيمية؟ نعم، وغالبا ما يكون ذلك من خلال مكتب إدارة المشاريع (PMO)، إلا أنني أفضل دائما أن يكون هناك ولو عضو واحد من أعضاء الفريق يشترك مع مدير المشروع في الأعمال الإدارية للمشروع، بعضها أو جميعها، ولهذا فائدة أخرى أيضا، وهي التعليم والتوجيه الذي يجب أن تحرص عليه الشركات والمؤسسات لنقل المعرفة من المدراء المتمرسين إلى مدراء محتملين، ضمن ما يعرف باسم تخطيط التعاقب (Succession Planning)، والذي يحتاج مقال كامل لشرح بعض جوانبه وأهميتها.

الشاهد في ربطي بداية المقال بنهايته، هو أن النجاح في إدارة مشروع ليس أمرا فرديا، وهو وإن كان بلا شك مصدر فخر لمدير المشروع إلا أنه لا يستطيع الادعاء أنه الوحيد المسؤول عنه، فالمشروع الناجح خلفه فريق إدارة ناجح، جزء منه ذلك المدير الناجح، والذي قد يكون سر نجاحه هو حسن اختياره لفريق إدارته، كما أن فشله لا قدّر الله ربما يكون سببه تفرده بالرأي، أو أن يظن نفسه مثل طبيب الأسنان الذي يعمل وحيدا، ويبدع وحيدا، وقد يخفق وحيدا أيضا …

 

Leave a comment